إيرلندا وفلسطين.. قصّة كفاح وتضامن ضدّ المستعمر

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إيرلندا وفلسطين.. قصّة كفاح وتضامن ضدّ المستعمر, اليوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2024 02:30 مساءً

إيرلندا وفلسطين.. قصّة كفاح وتضامن ضدّ المستعمر

نشر بوساطة قصي عياد في الشروق يوم 24 - 09 - 2024

alchourouk
لا تتوقف النضالات التحررية عبر التاريخ عند حدود الجغرافيا أو الزمن. فالشعوب المضطهدة التي تواجه الاستعمار والقهر تتشارك في تجاربها، حتى وإن كانت تفصلها مسافات وتختلف في العرق والدين فلا اختلاف في القضايا الإنسانية.
الشروق:
ولعلّ من أبرز ما يعزز هذه الفكرة المساندة غير المشروطة للشعب الايرلندي للقضية الفلسطينية فتاريخ المقاومة الايرلندية لا يختلف عن أم القضايا، وعلى الرغم من السياقات الزمنية والجغرافية، إلا أن التشابه بين هاتين التجربتين يجسّد معركة مشتركة ضد عدو واحد من أجل الكرامة والحرية.
تاريخ المقاومة الايرلندية: كفاح ضد الاستعمار البريطاني
تاريخ إيرلندا الطويل في مواجهة الاحتلال البريطاني بدأ منذ الغزو الأنغلو-نورماني في القرن الثاني عشر. لكن المقاومة المنظمة ضد الحكم البريطاني بدأت تتشكل بشكل جدي في القرن السابع عشر، وتحديدًا خلال «حروب الممالك الثلاث»(انجلترا، سكوتلاند ، ايرلندا ) فأساس الاستيطان البريطاني كان دينيا، حاربت بريطانيا البروستانتية مستعينة بسكوتلاندا ضد الايرلنديين الكاثوليك في المعركة المعروفة بحرب ال11 سنة، حيث قاوم الأيرلنديون التدخل الإنجليزي في شؤونهم الدينية والسياسية.
وانتزع الغزو البريطاني اراضي بالقوة وارتكب مذابح وحشية لعلّ من أشهرها مذبحة «دروغيدا» التي على الرغم من مرور ما يقارب 400 سنة عن حدوثها الا أن ذكرياتها مازالت لليوم حية للايرلنديين.
وفي القرن التاسع عشر، كانت ايرلندا ساحة لموجات متتابعة من النضال ضد الحكم البريطاني، من أهمها «ثورة فينيان» 1867، وهي حركة وطنية سرية سعت إلى تحرير ايرلندا بالقوة، ومع مرور الوقت تطورت لتصبح أكثر تنظيماً وأوسع نطاقًا، وصولاً إلى «انتفاضة عيد الفصح» عام 1916 التي شكلت نقطة تحول رئيسية في تاريخ النضال الايرلندي، حيث قادتها شخصيات بارزة مثل باتريك بيرس وجيمس كونولي، للإطاحة بالحكم البريطاني والسيطرة على دبلن، إلا أنها سُحقت بسرعة، مما زاد عداوة الايرلنديين للبريطانيين .
في عام 1919 بدأت «الحرب الايرلندية من أجل الاستقلال» التي استغرقت ثلاث سنوات، كانت حرب عصابات ضد القوات البريطانية بقيادة الجيش الجمهوري الايرلندي. برز القائد العسكري والسياسي مايكل كولينز كرمز لهذه الحرب، حيث استخدم تكتيكات غير تقليدية وحروب العصابات لمواجهة جيش الإمبراطورية البريطانية.
تشابه المقاومة الفلسطينية والايرلندية: القهر والاستعمار
مثلما قاوم الايرلنديون الاستعمار البريطاني، يواجه الفلسطينيون الاستعمار الإسرائيلي منذ بداية المشروع الصهيوني في فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر. كلا الشعبين عاشا في ظل أنظمة استعمارية تسعى إلى تغيير ديموغرافي للبلاد من خلال الاستيطان، السيطرة على الأرض، وقمع الهويات الوطنية.
في إيرلندا، قامت بريطانيا بمصادرة الأراضي الايرلندية ومنحها للمستوطنين البريطانيين، كما تم تهميش السكان الايرلنديين الأصليين. على غرار ذلك، يعاني الفلسطينيون من سياسات الاستيطان الإسرائيلي، بناء المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية المصادرة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مع تهجير السكان الأصليين.
وكما واجه الايرلنديون الاضطهاد الديني والثقافي من قبل البريطانيين مثل منع الاغاني الايرلندية ، منعهم من دراسة الطب والقانون ، منعهم من امتلاك خيول ذات قيمة معينة ... في نفس السياق يواجه الفلسطينيون تمييزًا ثقافيًا ودينيًا وسياسيًا، حيث يسعى الكيان الصهيوني إلى طمس الهوية الوطنية الفلسطينية عبر علاقاتها كمنع الكوفيات في العالم الغربي ومساندة القضية.
تميزت كلتا الحركتين بالتمسك بالهوية والثقافة في مواجهة محاولات الطمس؛ في ايرلندا تم استخدام اللغة الايرلندية، الموسيقى، والشعر كأدوات للمقاومة، في حين يعتمد الفلسطينيون على رموزهم الثقافية مثل الكوفية والأشعار المقاومة التي أصبحت رمزا لرفض الاستبداد في دولهم.
النضال المسلّح والسياسي: وجهان لعملة واحدة
شهدت ايرلندا فترة من النضال المسلح ضد الاحتلال البريطاني، واختارت بعض الفصائل الفلسطينية نفس النهج في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. الجيش الجمهوري الايرلندي (IRA) خاض حربًا غير تقليدية ضد الجيش البريطاني، معتمدًا على تكتيكات حرب العصابات والهجمات المفاجئة، مما جعله أحد أبرز حركات التحرر في القرن العشرين، مما صعّب المهمة على الجيش البريطاني رغم استنجاد تشرتشل بأهم قائديه العسكريين في الحرب العالمية الا ان الجيش لم يتمكن من تحديد الهجمات .
أما في فلسطين، فقد اعتمدت المقاومة الفلسطينية في بعض مراحل نضالها على الكفاح المسلح، مثلما حدث مع «منظمة التحرير الفلسطينية» وفصائل مثل «حماس» و»الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». كلا الشعبين تبنيا هذه الاستراتيجيات عندما وجدا أن الطرق السلمية أو المفاوضات لم تؤتِ ثمارها في تحقيق الاستقلال.
على عكس إيرلندا، حيث تم الانتقال تدريجيًا إلى التفاوض السياسي عبر «معاهدة الاستقلال» 1921 التي أنهت الحرب بين الايرلنديين والبريطانيين، دخل الفلسطينيون أيضًا في مسارات تفاوضية منذ مؤتمر مدريد للسلام 1991 واتفاقية أوسلو 1993، رغم أن الحلول السياسية لم تحقق تطلعاتهم الكاملة حتى الآن.
التضامن الايرلندي مع فلسطين: أسباب الدعم الشعبي
لعل أبرز ما يميز العلاقة بين الشعبين الايرلندي والفلسطيني هو التضامن الشعبي العميق والمستمر. يتمثل في مظاهرات حاشدة تجوب شوارع المدن الايرلندية تأييدًا للحقوق الفلسطينية، وفي الدعم المقدم من حركات المقاطعة (BDS) التي تتصدرها ايرلندا وخاصة لدى جماهير كرة القدم ، وذلك رغم التضييقيات والعقوبات التي ما فتئت تسلط عليهم.
«نرى تاريخنا بعيون الفلسطينيين» ليو فرادكار رئيس وزراء إيرلندا
أحد الأسباب الرئيسية لهذا الدعم هو أن الايرلنديين يرون في الفلسطينيين صورة تعكس ماضيهم النضالي ضد الاستعمار البريطاني. تجربة القهر والمصادرة والاحتلال التي عاشها الايرلنديون طيلة قرون تجد صداها في ما يعانيه الفلسطينيون اليوم. وبالتالي، يجد الايرلنديون في القضية الفلسطينية مشاعر متبادلة من المقاومة والبحث عن الحرية.
فالمستوطنات الصهيونية تذكرهم بمستوطنات انجلترا كما أن عدوهم الرمزي مشترك، فآرثر جيمس بلفور الذي كان سببا في معاهدة «بلفور» هو من أصدر اوامر بمواجهة المظاهرات الايرلندية بالرصاص. الى جانب أن فلسطين كانت مستعمرة بريطانية وهي من سلّمت مفاتيحها للعصابات الصهيونية التي استولت عليها بالمذابح الوحشية.
لم تكن فلسطين الدولة الوحيدة التي حظيت بهذا التضامن من ايرلندا بل أظهرت دعمها للحركات التحررية في العالم، بدءًا من نضال جنوب إفريقيا ضد نظام الأبارتايد إلى دعم الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي. الأحزاب السياسية الأيرلندية، مثل «شين فين»، كانت واضحة في دعمها لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
العلاقات السياسية والأممية: التحالفات التاريخية
الدعم الايرلندي للقضية الفلسطينية ليس محصورًا على الجانب الشعبي فقط، بل يمتد إلى الساحة السياسية. ايرلندا كانت من بين الدول الأوروبية التي اتخذت مواقف حاسمة في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية. خلال العقود الأخيرة، انتقدت الحكومات الايرلندية سياسات الاستيطان الإسرائيلية، وأكدت على ضرورة حل الدولتين كحل عادل للصراع وملف الصراع قائمة على أولويات الخارجية الايرلندية منذ سنة 1967. وطالبت بتأسيس الدولة الفلسطينية في 1980 ومؤخرا اعترفت بالدولة الفلسطينية في 2024.
أما على المستوى الأممي، فقد شكلت التحالفات بين حركات التحرر العالمية جسرًا للتعاون بين الشعبين. الحركات الثورية في العالم ، تتواصل وتتبادل الخبرات، سواء على مستوى الزعماء أو المناضلين. فكما تأثرت الثورة الايرلندية بالحركات التحررية في العالم، كانت هي أيضا مصدر إلهام للعديد من الشعوب المضطهدة، بما فيها الشعب الفلسطيني.
الدروس المشتركة من نضالين متوازيين
من بين الدروس الرئيسية التي يمكن استخلاصها من هذه التجارب هو أن مقاومة الاستعمار والقهر تتطلب تضافر الجهود الشعبية والسياسية على المستوى المحلي والدولي. الايرلنديون تعلموا من نضالهم الطويل أن التحرر لا يأتي بسهولة، بل يتطلب «طول نفس» واستمرارية في الكفاح وتنوعا في الأساليب بين النضال المسلح والسياسي وخاصة الثقافي فالحفاظ على الهوية الثقافية يعتبر درسًا أساسيًا مشتركًا بين الحركتين. عندما تتعرض شعوب للاضطهاد، غالبًا ما يتم استهداف ثقافتها وهويتها لمحاولة طمسها أو تقويضها. وفي ايرلندا، حاولت بريطانيا القضاء على اللغة الايرلندية واستبدالها بالإنجليزية، وكذلك تهميش الثقافة الايرلندية التقليدية. لكن الشعب الايرلندي تمسك بلغته وثقافته، واستخدمهما كأداة مقاومة ضد الاحتلال البريطاني، مما ساعد على تعزيز الوحدة والهوية الوطنية.
الشعوب التي اختبرت الظلم تعرف جيدًا معنى التضامن. هذا التضامن يشكل أحد أسس دعم الايرلنديين للقضية الفلسطينية، وهو ما يعكس روحًا إنسانية مشتركة تتجاوز الحدود الجغرافية.
الأخبار

.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق