إهمال اللغة العربية.. ظلم كبير لأبنائنا

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إهمال اللغة العربية.. ظلم كبير لأبنائنا, اليوم الجمعة 20 سبتمبر 2024 07:51 مساءً

أكد علماء الدين أن ابتعاد أبنائنا عن امتلاك ناصية لغتنا العربية الجميلة يؤدى إلى عدم فهم معانى القرآن وبالتالى تشويش أفكار الشباب وبعدهم عن الدين وعن مبادئه السمحة القويمة مما يجعلهم فريسة للجماعات المتطرفة والمتاجرين بالدين.

يقول د. إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم إن الأُمم القوية تعتز بهُويتها التى تكسبها تميزَها بين سائر الأمم، ولا يُتصوَّر أن تستمر دولة تحترم تاريخَها وتستنهض حضارتها -ولا سيَّما إذا كان تاريخها موغلًا فى العراقة وشمس حضارتها أشرقت دهرًا على العالمين- وهى لا تعرف أركان هُويتها المميزة لها، والتى تتمثَّل أول ما تتمثل فى لُغتها التى تَروى تاريخَها والتى هى وعاء تلك الحضارة، فمن خلال اللغة تنقل الأمَّةُ خلاصةَ تجارب الدول عبر التاريخ فتهضمها وتُضيف إليها تجربتها وتضع بصمتها الخاصة بها فى خطِّ إنتاج الحضارة الإنسانية الموصول بغير انقطاع.

ولُغتنا العربية كانت جديرةً بحمل مشعل الحضارة حين ضعفت يدُ الحضارات القديمة عن حمله ودخلت فى ظلمات القرون الوسطى، لتظلَّ منارةُ الحضارة الإنسانية مضيئةً فى الحواضر الإسلامية على اختلاف عواصم الخلافة بين بغداد والأندلس والقاهرة.. كانت اللغة العربية قادرةً على ترجمة العلوم واستيعابها والإضافة إليها، وكان أبناؤها على قَدْرِ هذه المسئولية الكبرى، فوضعوا معاجمها وقعَّدوا قواعدها لتسهيل الاشتقاق من الجذر الأصيل والقياس عليه.. وما زالت حديقة اللغة الغنَّاء تَشتجرُ أشجارُها حتى وَسِعَت كلَّ جديد تحتاج إليه من الألفاظ والتراكيب ومستطرف الأساليب، فنَظَم الشعراءُ على موسيقى بُحورها جميلَ الأشعار، ونَثَر الأدباءُ على اختلاف الموضوعات أعذب العبارات، بل صنَّف العلماءُ أبوابَ العلوم النقلية والعقلية فلم يَضِقْ بمؤلفاتهم صدرُ العربية يومًا ما.

أضاف د. نجم وما زال هذا العطاءُ ديدنَ اللغة حتي ضعفت قوة الدولة، وبات لسان حكَّامها غريبًا لا يتذوَّق جمالَ العربية، ولا تطرب آذانُهم لبيانها، وكسدت سوق الشعر، وخَبَتْ حرارةُ العلم في ظلِّ توالي النكبات علي الأمة العربية، وخاصة في الطور الأخير للخلافة العثمانية قبل أن تستعدي عليها دول الاستعمار فتمزِّق بُلدانها بين احتلالي إنجليزي وآخر فرنسي، وقد عمل الاستعمار علي نشر ثقافته بين النُّخبة لتسهيل قيادها، فنشر المدارس الأجنبية وحثَّ علي تعليم لغته، والضعيف مُولَعى بتقليد القويِّ والتحدُّث بلسانه، فعمد أرباب البيوتات الكبيرة إلي إرسال أبنائهم للدراسة في تلك الجامعات الأجنبية، وجري أبناء الطبقة الوسطي مجراهم فحرصوا علي تعليم أولادهم تلك اللغات، ولا ضير في ذلك شرط أن يحافظوا علي لُغتهم الأم ولا يكون التفريط فيها لحساب غيرها من اللغات، بحيث لا نري تلك النفرة بين أبنائها من اللغة العربية، نحوها وصرفها وأدبها، بينما نجد الإقبالَ على الرطانة بلسان أجنبيّي لجيل بات يحجل كالغراب فيُقحم ألفاظًا أعجمية بين ثنايا كلامه، إن دلَّت على شيء فإنما تدل على تمزق هويته واحتقاره لتاريخه وحضارته.

أكد أننا لسنا ضدَّ تعلُّم اللغات الأجنبية، كيف وقد علَّمنا أسلافُنا الذين بَنَوا الحضارةَ أن بُنيانها كان مُؤسسًا على التواصل مع الآخر والنقل عنه عبر الترجمة ثم إضافة تجربتنا إلى منجزات مَن سبق والبناء عليها، وهكذا تستمر الحضارة الإنسانية؟! ولكن ما ينبغي لنا الإصرار عليه ألا يكون ذلك على حساب لُغتنا الأم، فإننا متَّى فرَّطنا فيها فقدنا هُويَّتنا وصِرْنَا مَسْخًا بين الأمم لا نُحسن صناعةَ العلوم فضلًا عن الإسهام فى صنع الحضارة، وتلك كارثة تؤذن بالأفول والتلاشى.. هذا ما نجنيه من ضعف تعلُّم اللغة على المستوي العام، أمَّا على المستوى الخاص، فإنَّ الغربة التى يعانيها النشء المسلم فى هذا العالم الجديد بتحدياته المتزايدة وسيولة الأخلاق فيه وانهيار القيم داخله، وبالأخص القيم الدينية، تدفعنا إلى تثبيت الهُوية العربية وتأكيدها بتعزيز أركانها ولاسيما ركن اللغة. الذي إذا انهدَّ آذن البنيان كله أن يصير ركامًا.

أشار د. نجم إلى أن أبناءنا اليومَ بعيدون عن تذوُّق جمال العربية، غرباءُ عن تَلمُّس بيانها وتَحسُّس بلاغتها واكتناه أسرارها، وذلك تفريط منَّا فى معجزة النبى الكبرى الباقية ما بقى الإسلام، معجزة القرآن الكريم، فكيف -إذن- نُقيم الحجَّة على الناس بإعجاز القرآن ونحن العربَ لا ندرك مواطنه؟ يقول ربنا: "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء"، ولكننا نحن قد فرطنا، فالحجة علينا اليوم حتى يعود لساننا عربيًّا قويمًا لا عوج فيه.

لغة مباركة نورانية

تقول د. آمال عبد الغني أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة المنيا إن لغتنا العربية لغة مباركة نورانية فهى اللغة التى اصطفاها الله سبحانه وتعالى من بين اللغات لتكون لغة القرآن الكريم وتكفل بحفظها.. قال تعالي :"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافطون".. فالعربية لغة القرآن وبالتالي حفظها كتاب الله فصارت لغة عالمية حية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فهى التى علم الله آدم بها الأسماء كلها وهى لغة أهل الجنة ورد ذكرها إحدى عشرة مرة فى كتاب الله تعالي فقال سبحانه: "نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربى مبين" وقال جل شأنه: "قرآنا عربيا غير ذى عوج لعلهم يتقون" وغيرها من النصوص المتكاثرة ولذا قال ابن تيمية: "إن اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا باللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" ولذلك قيل: "من أحب الله تعالي أحب رسول الله ومن أحب الرسول العربي أحب العرب ومن أحب العرب أحب العربية ومن أحب العربية عني بها وثابر عليها".. ولذلك قال الرافعي رحمه الله "نزل القرآن الكريم بهذه اللغة على نمط يعجز قليله وكثيره معا فكان أشبه شيء بالنور..".

أشارت إلى أن لغتنا العربية هى أفصح اللغات ومفتاح الثقافات وباب الحضارات وعلينا غرس محبتها فى القلوب والنفوس لترميم الصدع الذي أصابها بالوهن فى العصر الحالى نتيجة هجر اللغة والتحدث والتعامل باللهجات المختلفة أو الزج بين المفردات العربية والإنجليزية وكأنها ثقافة.. وأيضا نحتاج إعادة النظر فى طرق تدريسها وتعلميها والاستفادة بوسائل المعاصرة وإعادة التعامل بها فى المدراس والجامعات والمؤتمرات والإعلام.. فاللغة مقوم أساسى من مقومات الشخصية العربية واعتزازها الحضارى وباب للتقارب ودرء الخلافات.. قال الشافعي رحمه الله: "ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب فاستوصوا باللغة العربية خيرا" وقال صلي الله عليه وسلم: "أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربى وكلام أهل الجنة عربي".. لذا علينا إعادة غرس محبة العربية في نفوس الأجيال بكل الوسائل المعاصرة فهي لغة الحق والدين والشرع والإيمان.

مقومات الهوية

أكد د. محمد أمين بدوي الأستاذ بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر أن اللغة تعد أحد مقومات الهوية لأي أمة وأمتنا العربية استوحت هويتها من لغتنا الجميلة من كافة صنوف الثقافة والتراث والأدب العربي إلى أن أنزل الله كتابه الحكيم على نبينا الكريم صلي الله عليه وسلم فزاد القرآن الحكيم اللغة العربية تشريفا وتعظيما ومكانة وكتب لها الخلود لبقاء الكتاب العظيم إلى يوم يبعث الله الأرض ومن عليها.

أضاف أن اللغة العربية ساهمت كثيرا فى تقدم ونهوض بعض الحضارات من خلال الاستفادة من المعارف والعلوم التى برع فيها العرب والمسلمون كالرياضة والكيمياء والفلك والفلسفة والطب وغيرها واعتمد حتى غير العرب عليها فى مسيرتهم للتقدم والتطور بل إن قواعد اللغة العربية نفسها ساهم في وضعها غير العرب فمثلا سيبويه أول من بسّط علم النحو لم يكن عربيا وكان من بلاد فارس وغيره الكثيرون.. ولو نظرنا للحضارات المختلفة فى العراق ومصر والشام طغت فيها اللغة العربية على باقى اللغات التى كانت سائدة وقتها وذلك لقوتها وجمالها واتساع وعائها فى التعبير والتفاعل والتواصل بين العرب وغيرهم.

أكد أن ما تعانى منه اللغة العربية من ضعف فى وقتنا الحاضر ناجم عن ضعف أهلها وعدم تمسكهم بها فالأمة الإسلامية والعربية كانت قوية عندما كانت لغتها قوية وضعفت عندما ضعفت اللغة.. فللأسف أدخل العرب الكثير من الألفاظ الغريبة على لغتهم وأصبحوا يلهثون وراء اللغات الأجنبية الأخرى وانقادوا للمخططات الخبيثة التى تسعى لهدم الأمة ولغتها واستهانوا بأمر لغتهم الجميلة حتى أصبحت تعاني من الاغتراب وسط أهلها.

طالب د. بدوى المسلمين والعرب بالحفاظ على لغتهم العربية وحث الأبناء والشباب على التمسك بها مؤكدا أننا واثقون بأن الله سيحفظها إلى يوم الدين وستظل شامخة تتحدى الزمن ومخططات الأعداء.

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق